يدور كلام في أروقة الأمم المتّحدة عن قرب الاستغناء عن خدمات ستافان دي مستورا وسط ترجيحات أن تحلّ مكانه الرئيسة السابقة لبعثة الأمم المتحدة المكلّفة بتدمير مخزون الأسلحة الكيميائية في سوريا سيغرين كاغ.

مضى شهر كامل لم يشارك فيه ستافان دي مستورا، المبعوث الخاص لحل الأزمة السورية، في الاجتماعات التي تعقد في جنيف لمجموعتي العمل الدوليتين، ولم يشارك في المؤتمرات الصحافية الأسبوعية التي تعقد كلّ نهار خميس في مقرّ الأمم المتحدة، كما أنه يترك المنبر الأممي إما لنائبه رمزي عز الدين رمزي، أو لمنسّق الشؤون الإنسانية يان إيعلاند.

الأوساط في جنيف تردّ السبب إلى نيّة الأمم المتحدة بشخص الأمين العام الجديد أنطونيو غوتيريس التخلّي عن خدماته مع نهاية ولايته نهاية آذار/ مارس المقبل.

هذه المعلومات، كانت قبل أسابيع مجرّد همسات بسيطة هنا وهناك في مقرّ الأمم المتحدة في جنيف، لكن الهمسات تحولت إلى حديث صريح وواضح لا لبس فيه وأحياناً بصوت عال.

الأمين العام الجديد للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس ينوي اتّباع استراتيجية مختلفة تماماً عما اتّبعه حتى الآن سلفه بان كي مون، ومن المقرّر أن يعلن عنها فور تسلمه منصبه مطلع العام المقبل، وفي هذه الاستراتيجية "لا مكان لدي مستورا"، والبديل؟ يتردد حتى الآن اسم المنسّقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان والرئيسة السابقة لبعثة الأمم المتحدة المكلّفة بتدمير مخزون الأسلحة الكيميائية في سوريا سيغرين كاغ، وهي تحظى باحترام واسع على المستوى الدولي وبثقة الأمين العام الجديد للأمم المتحدة.

أما لماذا استبعاد دي مستورا، فالأسباب كثيرة، أهمّها أن غوتيريس الذي يعرف منطقة الشرق الأوسط وتاريخها جيّداً، وعلى دراية واسعة بثقافة أهلها وتطلعاتهم منذ أن كان المفوض السامي لشؤون اللاجئين وخصوصاً في منطقة الشرق الأوسط بين العامين 2005 و2015، كان يرى بالاستراتيجية المتّبعة من قبل بان كي مون ومبعوثه دي مستورا استرايجية غير مجدية، تنطلق من عدم معرفة بان كي مون بالمنطقة.

ويأخذ غوتيريس على دي مستورا الذي قضى 4 سنوات كممثل شخصي للأمين العام في جنوب لبنان، و3 سنوات في العراق، وهو ملمّ باللغة العربية، أنه لم يكن له التأثير الكبير على قرارات بان كي مون وكان يعمل على إطالة أمد وجوده في منصبه من خلال البحث عن رضى الدول الكبرى.

كما يؤخذ عليه اتخاذه مواقف سياسية في هذا الاتجاه أو ذاك، وهذا ما جعل منه هدفاً لانتقادات كافة الأطراف، فمهمّة الوسيط الدولي هي "المحافظة على علاقة متوازنة وعلى مسافة واحدة من جميع الأطراف"، كما تهمس الأوساط في الأمم المتحدة.

كما أنّ للإنتخابات الأميركية ووصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض دور في قرب نهاية ولاية دي مستورا، فلدى ترامب بدوره رؤية مختلفة للنزاع في سوريا والحلول بالنسبة إليه تنطلق من التفاهم مع روسيا. ودي مستورا، بالنسبة لموسكو، ينتمي إلى فترة الخلافات والتناقضات مع واشنطن، ثم أن روسيا، كما سوريا، لم تخفِ يوماً عدم رضاها على سياسة المبعوث الأممي فيما يتعلق بموقفه من المحادثات بين الأطراف السوريين.

وتأخذ موسكو على دي مستورا إهمال كافة الأطراف السورية ومنح الأهمية المطلقة للفريق المعارض المدعوم من الرياض، وكان الرّوس يطالبون دي مستورا دائماً بالضغط على هذا الفريق من خلال الدعوة للحوار بين السوريين من دون شروط مسبقة و"بمن حضر".

المبعوث الأممي لا يزال يعمل على إقناع الأمم المتحدة بجدوى وجوده على  رأس الفريق المكلّف حلّ الازمة السورية، وعلى هذا الأساس جاءت زيارته الأخيرة إلى دمشق مع تصريحات مختلفة إلى حد ما عن السابق، فيما يتعلق باقتراحه بشأن شرق حلب، إذ نفى أنّه اقترح منح هذا الجزء من المدينة نوعاً من الحكم الذاتي يُسَلّم إلى "الإدارة المدنية هناك".

لكن الأوساط في جنيف تستبعد إحداث نقلة جديدة ونوعيّة من خلال نشاط دي مستورا الأخير، وأن جعبته، بالنسبة للأطراف المختلفة وبالنسبة للأمين العام الجديد للأمم المتحدة، فرغت من الاقتراحات الجدّية.